مقدمة في الدراسات الإعلامية (21)

خالد الحلوة
2 min readAug 15, 2022

--

نظريات التأثير الإعلامي

نظرية التأثير المباشر في العصر الرقمي

في المقال السابق، كان الحديث عن أول نظرية من نظريات التأثير الإعلامي، وهي نظرية التأثير المباشر (وتسمى نظرية الإبرة تحت الجلد، أو نظرية الرصاصة السحرية). تقول هذه النظرية أن وسائل الإعلام تصل إلى الجمهور بطريق مباشر، ويكون لها أثر قوي وموحد على جميع أفراد المجتمع.

ولكن من عيوب هذه النظرية أنها لا تأخذ في الاعتبار تنوع الجمهور وتنوع وسائل الاتصال، خاصة في مجال الإعلام الرقمي وشبكات التواصل الاجتماعي. فقد أصبح من الصعب على أي مصدر إعلامي واحد أن يسيطر على المعلومات والآراء التي يتعرض له الجمهور. بل إن الجمهور أصبح هو المتحكم الأساسي في العملية الاتصالية، من حيث اختيار المصادر والمحتويات التي تلبي احتياجاته. ولذلك، قال الكثير من الباحثين أن نظرية التأثير المباشر قد انتهى عصرها، وأصبحت غير صحيحة حالياً.

ولكن، على الرغم من ذلك، هناك باحثون آخرون يقولون أن العكس هو الصحيح، ويؤكدون أن نظرية التأثير المباشر عادت للظهور من جديد من خلال وسائل الاتصال الرقمي نفسها. ويستشهدون على ذلك بالعديد من الحالات التي انتشرت فيها المعلومات والأفكار بشكل قوي وسريع عن طريق الإنترنت والأجهزة الذكية.

ومن الأمثلة على ذلك انتشار الأخبار والشائعات المتعلقة بجائحة كورونا في السنوات الأخيرة. فقد راجت معلومات، معظمها غير صحيح، عن أصل المرض وطرق انتشاره وأساليب علاجه، وكان لها تأثير سلبي في كثير من الأحيان على صحة العديد من الناس. ولاحظ الباحثون أن هذه المعلومات تصل للجمهور بشكل سريع جداً عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، وتؤثر في تفكيرهم وسلوكياتهم تجاه هذه الأزمة.

بالإضافة إلى ذلك، لاحظ العديد من المراقبين زيادة تأثير المشاهير على القرارات الشرائية للمتابعين، ففي حالات عديدة يتهافت الناس على شراء سلعة أو ارتياد مقهى أو مطعم أو حضور فعالية لمجرد أن أحد المشاهير في مواقع التواصل الاجتماعي روّج لهذه السلعة أو الخدمة.

هذه الظواهر الإعلامية الجديدة دفعت الكثير من الباحثين إلى القول بأن ما نلاحظه الآن هو عودة نظرية التأثير المباشر التي قال عنها الكثيرون أنها أصبحت غير صحيحة الآن. لكن فريقاً آخر من الباحثين يؤكد إن ما يجري الآن هو في الواقع عمليات اتصالية جديدة تختلف في طبيعتها وأسلوب انتشارها عما هو معروف قديماً.

ففي السابق، كانت وسائل الإعلام قليلة واعتماد الناس عليها كبير، لكن الآن تنوعت الوسائل وتعددت التوجهات بشكل غير مسبوق. وأصبح التأثير الإعلامي يأتي كثيراً عن طريق ما نسميهم بالمؤثرين. بمعنى أن المعلومات والآراء لا تصل إلى الجمهور مباشرة من وسائل الإعلام، بل تأتيهم عن طريق أشخاص أو جهات يثقون بها ويتابعونها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي الحقيقة، أن ظاهرة التأثير غير المباشر كانت موجودة ومعروفة لدى الباحثين حتى قبل ظهور الانترنت وانتشار شبكات التواصل الاجتماعي، من خلال نظرية تسمى (تدفق المعلومات على مرحلتين). وهذه النظرية تقول بعكس ما جاءت به نظرية التأثير المباشر (أو الإبرة تحت الجلد) فهي ترى أن الناس لا يتأثرون بوسائل الإعلام فقط، بل إنهم يتأثرون بالمحيط الاجتماعي من حولهم من خلال النقاش والتفاعل الشخصي. وهذا ما سنعود للحديث عنه في المقال القادم إن شاء الله.

--

--

خالد الحلوة
خالد الحلوة

Written by خالد الحلوة

مدونة خالد الحلوة: تهتم بالإعلام وتقنيات الاتصال

No responses yet